إني لا أُخفي أنني تردت كثيراً قبل الإقدام على تأليف هذا الكتاب، وذلك خشية أن يتوهم متوهم أنه إذا اطلع على كتاب أو كتابين أو عشرة كتب... في تحسين المحاكمة العقلية وتحسين أسلوب ممارسة التفكير وفي تنمية الحس النقدي... فإنه يصبح مفكراً، وهذا بالطبع غير صحيح، لما سأذكره بعد، لكن الذي جعلني أتجاوز التردد في الشروع في هذا العمل هو الاتصالات التي تأتيني من كثير من الشباب الذين يرغبون في الولوج في عالم الفكر والتفكير والمفكرين، وذلك بسبب جاذبية ما تدل عليه هذه الألفاظ في هذه الأيام. وقد بذلتُ كل ما أملك من جهد في سبيل جعل أسلوب الكتاب سهلاً وقريباً حتى ينتفع به أكبر شريحة ممكنة من القراء الأفاضل، لكن بما أنني أعالج موضوعاً معقَّداً، فلا بد من أن يكون ما أحقِّقه ناقصاً، وأحياناً مخيباً للأمل! إني قانع بتعبيد طريق ضيق في قلب بحر من الرمال المتحركة، وبإضاءة بعض الزوايا المظلمة، وقانع بإزالة بعض الحجارة من طريق شديد الوعورة، سائلاً المولىى -جل وعلا- أن يبارك في ذلك، وينفع به؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.